الإطار المثقوب

اللعنة

هكذا قال عندما انحرفت سيارته ناحية اليسار بشدة

يقود السيارة منذ الصباح الباكر كى يرجع إلى المدينة المزدحمة

المدينة التى اكتشف مؤخرا أن كل ما بها يؤخره عن بلوغ هدفه

أن تتآمر الموجودات و المحيطات من حولك عليك أنت بالذات

و أن تؤخرك دوما عن ما تريد تحقيقه

قاوم المقود و أخذ فى لفه ناحية اليمين بصعوبة  حتى اتجهت السيارة إلى جانب الطريق

فتركها تمشى قليلا و سمع قرقعة الأحجار تحت الإطارات و من ثم توقفت

أمسك المقود بشدة و ضغط عليه بكلتا يديه من الغيظ

و من التعب

و من القهر

وضع رأسه على المقود

استنشق هواء كثيرا

ثم رفع رأسه من على المقود

و زفر كل الهواء بتنهيدة حارة

نظر إلى العدادات

و إلى الساعة

و إلى المرآة الخلفية

نزل من السيارة

و ألقى نظرة على الإطار الأيسر الأمامى

فوجده ملتحما بالأرض

أخذ يحدق فيه طويلا كأنما يستعتبه

ليس هذا وقته أيها الإطار الأبله

حقيقة ليس هذا وقته

وفى تلك اللحظة

لم يستطع أن يوقف تدفق أفكاره و وساوسه

زوجته التى بدأت تصاب بالهلع مؤخرا من قلة الرزق

و ابنته الرضيعة التى لا يعلم كيف سيعيلها

أمه التى أنفقت معاشها لإعالته هو و أسرته

و ماذا بعد ؟؟

هذا العمل الهزيل الذى لا يقى من برد أو يؤمن مستقبلا

و هذا الإطار المثقوب

يعلم إنها أوقات حرجة ولكن إلى متى؟

خطأ آخر فى العمل و يتوعده الناس بالويل و الثبور

يريد أن يرجع إلى المدينة كى يتأخر عن مستقبله الذى تأخر فى رسمه

يتذكر كيف كانت الحياة لا تمثل ذلك العبء الذى تمثله الآن

يتذكر كيف كان الناس يبتسمون له و لمستقبله الواعد فلا يعلم أين الخطأ

ربما هو الإطار المثقوب

يتسائل فى جزل و غباء

ترى من ثقب حياتى بتلك الطريقة؟؟؟

من أفرغها من المعانى و اللأحاسيس و الجمال الذى كان بها

ينهض و يسير مبتعدا عن السيارة كى يبحث عن المسمار المسئول عن الثقب

يردد لنفسه

إذا وجدت المسمار

ربما عرفت من الفاعل

من ثقب الإطار؟

و من ثقب حياتى؟

رويدا رويدا يبتعد عن السيارة

يتذكر فجأة الفرق ما بين الحتمية و الإختيار

هل كانت إختياراته هى التى أوصلته إلى تلك الحالة

يحس بالهلع

يخفق قلبه بقوة من القلق و الإضطراب

ذلك القلق الذى لم يسمح له بالظهور أمام  زوجته

تنظر اليه كل يوم بابتسامة عذبة

تربت على كتفه و تهدئ من روعه أن لا تقلق

لأنك انسان طيب فلسوف يؤتيك الله من فضله

لكنه يعرف هلعها عندما تمسك بابنته الرضيعة لتطعمها

فيتوجس قلبه خيفة

يتوقف عن المسير

ماهذا السخف الذى أفعله

يتقهقر راجعا كى يشرع فى استبدال الإطار

و لكنه لا يلبث إلا أن يتسمر أمامه مستغرقا فى التفكير

الإطار اللعين

ألم أصلحك منذ قليل

أين ذهبت العشرة جنيهات الذى أخذهم العامل الشره فى إصلاح ثقوبك

لسوف أرجع إليه و ألقنه درسا لا ينساه

لماذا تتآمر أنت الآخر على تأخيرى

يتذكر أنه فى تلك المدينة متأخر

متأخر عن العمل

متأخر عن تسليم العمل

متأخر عن ابتياع أغراضه

متأخر عن تعليمه

فجأة أصبح كل الناس يملكون شهادات عالمية

إلى جانب شهاداتهم الحكومية

الكل يستطيع التحدث بالإنجليزية

الكل يمتلك رؤية

و يسعى لتحقيقها

دائما هو المتأخر

فى الطريق تأتى السيارات الشابة لتأخذ مكان سيارته المتهالكة

فيتأخر فى الوصول

ثم يتأخر فى الرجوع إلى البيت

زهد الطعام

لأنه يصل متأخرا

يستيقظ متأخرا فى الصباح

ليقفز إلى دوامة العمل الذى لاينتهى

و هو فى الأصل منته

لأنه لا وجود للعمل

من ثقب الإطار ؟

ذلك الوغد الذى ثقب الإطار

لم يستطع التحديق طويلا فى الإطار

اتجه إليه

و جلس على الأرض

و أعطى ظهره للإطار

حتى لا يراه ثانية

—————————————-

فى تلك اللحظات القليلة

التى مررت بها على الطريق

رأيت تلك السيارة المتوقفة و المفتوحة الأبواب

و رأيته جالسا مسندا ظهره على الإطار

فلم أعبأ به وواصلت المسير

أنا متأخر

فلقف له اى انسان آخر غيرى

لأنى متأخر عن الرجوع

و هو سبب لشد ما تعلمون عظيم

Comments are closed.