كالعادة .. ما أكتبه هنا هو حوارى مع نفسى بعد أن اوشكت سنة 2011 على الإنقضاء
و أيضا بعد أن أوشكت الثورة المصرية على بلوغ عامها الأول
فإذا شبهنا الثورة بالطفل فى عامه الأول
فنستطيع القول بأن الطفل (الثورة) سيخطوا خطواته الأولى بعد قليل
———————————
أريد أن أكتب ما يعتمل فى ذهنى الآن حتى إذا ما تقدم بى العمر و نظرت إليه ثانية .. استطعت أن أقيس الفرق بين ما كنت عليه و ما أنا عليه ساعة القراءة .. و أيضا حتى ألزم نفسى بالوقائع التى كنت عليها .. فلا أدعى بطولة زائفة أو سلبية كاذبة
ففى الغالب .. كنت كما أنا إنسانا وسطيا فاجأته الثورة كما فاجأت الجميع
و عندما تساقطت القتلى فى ميدان التحرير .. و دخلت الجمال .. و انقطعت الإتصالات أصبح من الصعب المكوث ساكنا من غير الوقوف على الأخبار الصحيحة
و على هذا الأساس فإنى أستطيع أن أؤكد أنى نزلت ميدان التحرير مرة واحدة فقط و كان يوم الجمعة (ذلك اليوم الذى وافق وصول وائل غنيم إلى ميدان التحرير) و لكننى ام أمكث حتى هذا الوقت إذ أننى رحلت قبل وصوله بقليل.
و لكن من الجيد أيضا أن أذكر فى هذا المقام أن كم التشويش الذى كان عليه عقلى أكبر و أكثر من قدرتى على الحسم فى أمر الثورة
هل هى حلال يتبع أم حرام ينتهى عنه
و كنا فى تلك الفترة تنتاقش عن الثورة و معناها و الفرق بينها و بين الثورات الأخرى .. و هل كانت يوليو 52 ثورة ام انقلابا عسكريا !!!
و كان الكل فى فوضى عارمة
و لأن الفوضى كانت عارمة .. فلم يكن هناك من مفر من وضع المسئولية على رأس النظام الا و هو مبارك بشخصه .. كان على مبارك أن يرحل لأنه سبب الفوضى الرئيسى الذى حدث فى البلاد
كانت هناك ثلاث مجموعات رئيسية فى المجتمع خلال الثورة و قبل خلع مبارك بقليل
1- رافضين للثورة بأكملها
2- مجموعة حلو أوى لحد كده .. إحنا كنا فين و بقينا فين
3- مؤيدين للثورة بشدة
——-
و بالطبع لأن الإنسان حالة مركبة ديناميكية تتغير باستمرار فمن العبث ان نرد أى انسان إلى مجموعة بعينها بالذات .. خاصة و حالة الفوضى فى أوج غليانها .
و على هذا الأساس كنت صاعدا من “حلو أوى لأد كده” إلى “تأييد الثورة بشدة” و عندما أتعب بشده تبدأ مرحلة النزول إلى “حلو لأد كده”
———–
بعد خلع مبارك عنوة من المنصب الرئاسى
بدأت الملهاة الحقيقية فى الثورة المصرية
فى ليلة و ضحاها اصبح كثير من الناس يعشقون الثورة و الثوار و ينزلون إلى الميادين ليعانقوا الدبابات
لن أتحدث عن الصور المنتشرة على الإنترنت و لا على الأغانى الركيكة التى مجدت فى الثورة فى حينها
و لن أتحدث أيضا عن متلازمة الخوف من الثوار .. والتى عادة ما يبدأها الفرد بجملة “أنا أول واحد نزلت التحرير” و التى تم تطويرها لجملة أشد تأثيرا “ احنا اللى عرضنا نفسنا للموت عشان الثورة تنجح” و بالطبع فتلك الجملة بها تمييز عنصرى واضح و تسطيح ما بعده تسطيح بأن الجهاد حدث فقط فى أيام الثورة و لا شئ قبلها على الإطلاق
.
.
بعد خلع مبارك حدثت المفاجأة و جاءت لنا الحرية على طبق من ذهب
و شتان ما بين تمنى الحرية و ممارسة الحرية
و لقد مارسنا حرية السباب و القذف و الغيبة و فحش القول بجدارة نحسد عليها
و أصبحت حرية الغباااااء مكفولة للجميع
و لأن الغباء لا يتم صده إلا بالغباء المضاد
فلقد أخذت مجموعة من الشباب على عاتقها أن تصد هذا الغباء بنفس الكم و الإتجاه المضاد معتقدين أن ما يفعلونه لهو حتما فى سبيل إنقاذ القضية و التأكيد على أن ما حدث من ثورة فى مصر هو أحسن شئ لها
——————————-
ثم انقلب الحال رأسا على عقب .. و احتل الغوغائيون مقدمة الصفوف .. و اصبح كل من له صوت عاقل أو من يحاول فقط التفكير – عائقا من عوائق التقدم .. يجب على الغوغائين أن يرموه فى الصفوف الخلفية
و تحولت الساحة إلى صنفين
غوغائيون يرفضون الثورة بشدة
و غوغائيون مؤيدون للثورة بشدة
و وصلنا إلى تلك الفترة الحالية التى أريد أن أسميها
البحث عن معجزة
من الذى يبحث عن المعجزة ؟؟
كلنا نبحث عن المعجزة التى سوف تقول لنا إن كانت الثورة حميدة أم خبيثة
و البحث عن تلك المعجزة لها أيضا متلازمة واضحة تجدها عندما يبدأ أحدهم بالحديث
“آدى الثورة و آدى الثوار”
ثم يضع وصفا للحدث بعد ذلك سواء كان حدثا جيدا أم حدثا سيئا
و بالطبع فإن فى مجتمع فقير فى المادة و فقير فى العلم و فقير فى كل شئ
فى مجتمع تم تغييبه و إفقاره و تدجينه على مدى عقود من الزمن لا يجب علينا أن نتعجب فيما يدور حولنا من حوادث
إننى هنا لا أنتقد وطنى و لكننى أريد أن أثبت حقيقة واضحة و هى أن الكثير من أطيافه ليس لها البال الرائق و لا المزاج السليم لفهم او استيعاب الكلام الغير مفهوم لنظريات إقامة المجتمعات
و بالتالى فالصورة و الفيديو هما الدليل الأوحد و الوحيد لهذا الشعب
————-
أكاد أجزم أن فى فترة البحث عن المعجزة انسلخ العديد من الناس من دياناتهم التى يؤمنون بها إلى إنكار الدين سواء فى أجزاء منه أو فى كلياته
و من ثم السقوط فى عدم الإيمان و إنكار كل ما هو غيبى
و فى خلال انسلاخ الناس بايمانهم بغد افضل أو بأن بعد العسر يسرا وقعنا فى كمية من الأحاديث السطحية بين مدنية الدولة و علمانية الدولة و تطبيق الإسلام أم تطبيق مناهج الغرب الفاجر
و ازدادت الهوة بين واقع الناس و فكر المثقفين
و تحققت العلمانية فى أبهى صورها
تلك الصورة ليست مجازية فقط فى الفصل بين الدين و الدولة
أو صورة أعم فى الفصل بين الأخلاق و قيم السوق
بل فى الفصل بين الشعب و أولاة الأمر
—————
إن حديثنا الدائم عن البلطجية الذين هم فى ازدياد مستمر هو انعكاس واضح لفقد الإيمان الكلى فى موعود الله
فى اللحظة التى يفقد فيها المرء إيمانه .. هى تلك اللحظة التى يولد فيها بلطجى جديد
و انا هنا ألقى اللوم سوطا مؤلما على كل من تحدث باسم الدين و ضلل الناس ضلالا مبينا عندما أعلى مراتب التواكل و الضعف و العجز فوق مبادئ العمل و العلم
تلك القرائات السلبية للدين التى وعدت بالمعجزات و لم تفى
فالفقراء من كل الأديان فى مصر
ازدادوا فقرا على فقر
لا عجب إذن فى أن نراهم يعتصمون فى كل المناطق
هم لا يريدون إكمال الثورة
هم يريدون حياة أخرى – تلك الحياة التى دأب الناس على وعدهم بها
–
و لأن الدين فشل فى إعطائهم تلك الحياة
فتمسكوا بديانة الثورة كى تعطيهم تلك الحياة الجديدة
و عندما فشلت الثورة فى إعطائهم الحياة الجديدة
كفروا بالأديان و بالثورة و تحولوا إلى بلطجية
و البلطجة هى أحد مرادفات العلمانية فى هذه الحقبة
–
لن أقول نحن ندور فى ساقية لا نهاية لها
سأتكلم عن نفسى فقط
ادور كالثور فى ساقية
الساقية الأولى: مرارة العيش و البحث عن لقمته
الساقية الثانية: البحث عن علم صحيح و عقل واع كى أتحدث به إليكم
الساقية الثالثة: الغوغائيون من كل المشارب الإتجاهات
الساقية الرابعة: الصفوة و النخبة الذين يمثلون الغوغائيون و لا يعبأون بالتشتت الذى أعيشه
الساقية الخامسة: الوطن و الإقتصاد المضمحل و فقر الإنتاج و دورة رأس المال الهشة
الساقية السادسة: الثورة المصرية و العالم الذى لا يهمه مصر بأى حال من الأحوال
إنما يهمه مصلحته سواء اكان كرسيا يحتفظ به
أم موقعا يخاف عليه
او الحفاظ على مصادر الطاقة التى أخذها بالقوة
—
كيف بعد كل تلك السواقى
نلوم الناس على استمرار ثورتهم ؟؟!!!!
————
صباح الجمعة 23-12-2011