لم أكتب شيئا منذ مدة طويلة
حرب هوجاء بينى و بين الفراغ
أتسلح بالصراخ
فيتسلح بالصمت الأسود
يمتص كل ما أفكر فيه، و كل ما كنت أخفيه، و كل ما اكتنزته له لأرديه
لا عجب إذن بأنه صامد لا يتزحزح
فهو يملك ما لا أملك
وقوده الوقت
وقتى الذى يتسرب من بين أصابعى و لا يعطينى أى فرصة لأتدارك أخطائى العديدة
———————————————————-
أنا الآن أسير فى شارع “عباس العقاد” الذى يحتوى على كل شئ ليس له علاقة بالكاتب الكبير
يرتفع ارتفاعا خفيفا كلما سرت فيه إلى الأمام
أوله محطة للوقود و الجامعة العمالية و ميدان الساعة
و آخره “مصطفى النحاس” شارع عرضى آخر يسير فيه المترو القديم الذى لا أذكره بالطبع و لا أعرف علاقته بهذا الرمز
———————————————————–
أضع يداى فى جيوبى و أنظر فى الأرض
و أبحث عن الشئ الضائع
و أسير
الإزدحام لا يوصف
على اليسار متجر يبيع الأحذية
تتكاثر عليه النساء
يضعن أيديهن على الزجاج (أصابعهن إن أردن الدقة) و أزواجهن خلفهن يحملن الوليد فى اليد اليمنى و يمسكن الطفل باليد اليسرى
و يتكرر مشهد الأم و ابنتها التى لا تطيق اختيارات أمها فيما يتعلق بالأحذية
نفس المشهد
و نفس الحذاء الأسود
و نفس النظرة العبوس
.
هذا المتجر منذ عشرة أعوام لم يكن هنا
صديقى أشرف الذى لم يعد من دبى بعد 🙁 كان أحد الذين ساهموا فى بنائه
بناه ثلاثى الأبعاد على الزفت الكمبيوتر و الثرى دى ماكس
زمان بقى
أيام ما كان لسه الشارع فيه أماكن فاضية
————————————————————–
عادم السيارات لا يوصف
انما تتنفسه بعمق و تلذذ
هنا يقبع الموت البطئ
بطيئ كحركة المرور
و لجان المرور السخيفة التى تعطل الناس عن ركوب الميكروباصات صباحا
فى الصباح الباكر
ترى الناس زائغة الأعين من قلة النوم
يحشرون أنفسهم فى الميكروباص
ثم تأتى اللجنة ليوقف الميكروباص و لكى يعطل الناس
أهرب منهم دوما بالإقتراب ناحيتهم و الوقوف أمامهم
و انتقى سيارة جديدة بها شابة لطيفة لأحجب عنهم رؤيتها بسيارتنا القديمة
فيتضايقون منى و لا يستطيعون النظر
“عدى عدى”
يقولونها بفراغ صبر
فأهرب إلى اليمين
——————————————————
فى الثانية عشرة ليلا
ازدحام قدره 3 أضعاف الثانية عشرة ظهرا
و فى رمضان 6 أضعافه قبل السحور
——————————————————-
مطعم كنتاكى على اليمين هوا اول مطعم تم بنائه فى الشارع
ثم بيتزا هت فوقه
ثم تبدلت الأمور بعد ذلك
انا و أسرتى فى تلك المنطقة قبل أى شئ من تلكموا الأشياء الغريبة
ازداد الشباب
و ازداد اصطياد الشباب
و مرت على الشارع فترة
كان فيها صيته سئ السمعة
إلى الدرجة التى اجتذبت مزيدا من الشباب و المحلات و المطاعم
لا أدرى إن كان استنتاجى صحيحا أم لا
و لكن إن أردت رواجا فى مكان ما
فانشر عنه اشاعة خبيثة ودع الناس تتولى الباقى
————————————————————-
– ممكن يا أستاذ كلمة معلشى أستأذن حضرتك فى كلمة واحدة
أنظر له بتراخى ثم أقول له
– نعم، اتفضل
فيقول
– انا طالب فى معهد اللاسلكى للآلة الكاتبة
أقاطعه
– انتا بتاع الجيش
و أبتسم
يهلع الشاب و تتسع عيناه
– لأا لأا، انا مش بتاع الجيش صلى على النبى
أرد عليه فى إصرار
– انتا بتاع الجيش اللى خد منى جنيه الأسبوع اللى فات
يزيد فى الهلع و يتراجع إلى الوراء
– انا مش بتاع الجيش، صلى على النبى
– أنا بتاع الكلية
ثم ينصرف
و أتابعه بنظرى قليلا و أكمل المسير
ليس ذنبه
أنا دائما مطرق فى الأرض
فلا يميزون وجهى إلا عندما يكلموننى
– يا بيه
صوت شابة فى عشرينات العمر
تلبس ملابس قروية
– يا بيه حاجة لله ربنا يريح قلبك
أقف و أنظر لها
تنظر لى بوقاحة
و تتنتظرها صاحباتها بعدها بقليل
أبتسم ابتسامة صفراء و أقول لها
– طب ما تريحينى انتى
ينتابها الذعر
و تجرى ناحية أصحابها
أتابعهن بنظرى و أبتسم
هكذا أتخلص من الشحاذين المحترفين
و لكن …
كان هذا فيما مضى
دعونى أقول تلك الكلمة الآن
اللعنة
منذ خمسة أعوام
و الشارع يكتظ بما نسميهم أولاد الشوارع
ينامون على الأرض و يلتفون بأى شئ
يبيعون السيارات النعناع الفاسد
و ينظفون الزجاج بخرق غير معلومة المصدر
لا يملكون شيئا يخسروه
انتهى عهد التسول الإحترافى
و الذى يعتمد على الذكاء و البصيرة و استدرار العطف
دعونى أقل لكم شيئا
إن من تهرب من شكله و هيئته فى الشارع لهو أكثر الناس حقا فى زكاتك
و هو سارقك غدا
و قاتلك بعد غد
——————————————————-
هل تعرفون ابراهيم
كل مرتادى قهاوى عباس العقاد من أوله حتى نصفه يعرفون ابراهيم
بابتسامته البريئة
و الكيس الذى يحمله و به المناديل الذى يبيعها
و هو لا يملك إلا سببا واحدا مقنعا
ابويا عيان و انا باساعده
و قد كبر ابراهيم الآن و لكن مايزال جسده صغيرا
و اشترك أخوه أيضا فى البيع
لا يمكن أن تخطئه فى أية قهوة
———————————————————–
ماذا أحكى لكم أيضا
ليالى القصب فى عباس العقاد
أسير انا و صديقى حتى محل عصير القصب
زمان قوى
ربع جنيه للكوب الصغير
35 قرش للكوب الكبير
و بعد كده ربع و نص
و بعد كده 50 و 75
و بعد كده 75 و جنيه
و بعد كده قفل و بقى محل جزم
اللعنة مجددا
الشارع كله بقى تلات حاجات بس
محل جزم
محل كشرى
قهوة
————————————————–
أتذكر أمرا و أضحك
زمان لما كنت لسه داخل الكلية
لم أكن أعرف اسم الآلات الميكانيكية
المخرطة و المقشطة و الفريزة
فمسكنى و احد من زمايلى ساعتها و قالى ايه ده
انتا ما عندكشى ورشة تحت بيتكم
نظرت إليه بغباء
و قلت له لأااا
– انتا ساكن فين يااد
مدينة نصر
– امم، عشان كده
ثم ينصرف و يتكرنى فى حيرتى
نظرة مستهجنة من شخص آخر
– انتا ماعندكشى قهوة تحت البيت ؟؟
لا للأسف ماعنديش
…..
على أية حال كل حاجة بقت موجودة فى مدينة نصر
بس المخرطة و المقشطة ماجوش لسه
و إننى لأتسائل
ايه اللى أخرهم لغاية دلوقتى ؟؟؟؟
———————————-
الخلاصة
أنا مش كييف مصاصة
“ده كان اعلان قديم على فكرة”
أجلس على كرسى متهالك أدام بن شاهين فى نص عباس
أشرب قهوة بالبندق
كانت ب تلاتة جنيه و نص
و دلوقتى بقت بخمسة جنيه
—–
لو لقيتم واحد قاعد لوحده مسهم و بيشرب قهوة و مدى وشه لناحية الجنينة
احتمال يكون أنا
ابقو تعالوا اقعدوا جنبى
أحكيلكم
عن الحكاوى