حكاية من حديقة

لازالت الزنبقة البرية تنتظر حلول الربيع لتتفتح
و الربيع
ذلك الكائن الأسطورى
الذى طالما سمعت عنه من والدتها الشجيرة
هو مبتغى كل وردة و كل زهرة فى فناء تلك الحديقة النائية عن الناس

تثائبت زهرة النرجس و أخذت ترسل قبسا من عبيرها فى ذلك اليوم
و نظرت إلى جارتها الزنبقة البرية و ابتسمت و صاحت بها
كيف حال اليوم فى عيناك يا زنبقة المشاعر الوردية؟

أجفلت الزنبقة
أنا بخير، و أنتى؟

ردت النرجس
أنا بخير أيضا، ألازلتى تنتظرين الربيع؟

توردت بتلات الزنبقة خجلا
ألا تنتظرينه أنت أيضا؟

ردت النرجس
كل الحديقة تنتظره، حتى الفراش و النحل، انظرى هناك إلى تلك الطيور، هى أيضا تنتظر الربيع

تقول الزنبقة
نعم كلنا ننتظره، إننى لا أعلم حقيقة كيف يبدوا الربيع، ترى من أين سيأتى و كيف سيدخل علينا ؟

ابتسمت النرجس
بالأمس سألت العصفورة الرنانة عنه، تقول إنها شاهدته مرارا و تكرارا قبل ذلك، تقول أيضا اننا الزهرات لا نستطيع أن نراه سوى مرة

واحدة لأننا بعد ذلك سوف نسقط على الأرض و نصير أشجارا كأمهاتنا، و عندما سألتها كيف يبدوا الربيع، لمحت فى عينيها بريق دموع

منتشية، و قالت لى إنه كما النسمة فى يوم صيفى، لطيف المحيا، و جميل الطلعة، عندما يأتى لا تكف الطيور عن الغناء، ولا يقوى النهر على

الثبات، و ترتجف الأرض رجفة من لقى حبيبه بعد طول اشتياق، و تبرز يعاسيب الليل إلى النور لتراه

مبهورة تنظر إليها الزنبقة
إن العصفورة الرنانة لاشك تعرف عنه الكثير. هل وصفته لك؟. هل رسمت لك كيف يبدوا بمنقارها على الأرض اللبنة؟. أنا أعلم أنها كثيرا ما

تفعل ذلك ، فهى دوما ما تأتى إلى تلك الأرض الطرية هناك و ترسم أشكالا عديدة

تنهدت النرجس وقالت
للأسف، عندما سألتها كيف يبدوا الربيع لم تجبنى سوى بالمزيد من الأشواق و الهيام. أتعلمين انه كلما سألت أحدا فى الحديقة عن الربيع وقع

من فوره فى حالة الهيام تلك، لم أجد أحدا حتى الآن يستطيع الكلام عن الربيع من غير أن يتورد وجهه و تتسارع أنفاسه و من ثم يقع مغشيا

عليه من الوله و التدله فيه، ألا إنى حقيقة أتسائل، كيف يبدوا الربيع؟؟

أطرقت الزنبقة فى صمت
ثم تنهدت و قالت
إننى كما تعلمين منذ أن ولدت و أنا أصنع الرحيق و العبير كما نصحتنى أماه منتظرة الربيع
و قد يتسرب من عبيرى بعضا منه و لكننى سرعان ما أمسكه حتى لا يهرب،
قالت لى امى الشجيرة : عندما يأتى الربيع تأتى حوله فراشات كثيرة ذات ألوان زاهية و قلوب غضة بسيطة، تلك الفراشات تحلق بين يدى

الربيع و من حوله تقوده إلى كل شجرة فى الحديقة، وكل وردة، و كل زهرة، قالت لى أمى إن الفراشات سوف ترانى، و تأتى لى مبتسمة،

ستسألنى الفراشات عن امنياتى، وعن أحلامى، و عن ماذا أردت منذ مولدى، وسوف تحقق أمنياتى تلك بالرحيق الذى صنعته، قالت لى أمى أن

الفراشات ستأخذ الرحيق و تعطيه إلى الربيع و من ثم تتحق أمانى التى طالما وددت أن تتحقق

ابتسمت النرجس و قالت
ما تلك الأمانى التى تريدينها، و فيم انتظارك للربيع؟!!، إنك يا زنبقة وردتنا الخجولة التى لا نرد عنها طلبها، آه من الربيع و انتظاره، لقد ملك

علينا كل أحاسيسنا ، وجعلنا نشتاق اليه من قبل أن يأتى، ذلك الربيع الذى يقولون عنه انه يختال ضاحكا مستبشرا عندما يأتى، كلما فكرت فيه

ازداد شوقى إلى لقياه، وشعرت بتلك الفجوة فى أعماقى التى تتوثب لرؤيته و لضمه إلى بتلاتى الندية، يقولون أن الربيع يمتلك تاجا أحمر، و

صولجانا أصفر، و أريجا أعبق من أريج مسك العنبر، ألا إنهم يقولون أن مسك العنبر هو أحلى رائحة فى الوجود، لقد أنبأتنى بذلك العصفورة

الرنانة، فهى كما تعلمين كثيرة الترحال، تقول الرنانة أن فى الأفق البعيد هناك مخلوقات تسير على قدمين، ليست كتلك المخلوقات التى نراها

تأكل الأعشاب ورائنا، تقول الرنانة أيضا أن تلك المخلوقات التى تسير على قدمين تصنع العديد من الأشياء الجميلة.
لطالما تسائلت هل يكون الربيع ذو ساقين يمشى عليهما؟!! أقادم هو من هناك ؟!! أجيبينى يا زنبقة. متى يأتى الربيع؟ متى يهبط الربيع؟ أو

حتى متى يصعد الربيع؟

صنعت الزنبقة كأس رحيق آخر ووضعته بين الكؤوس الأخرى ، ثم نظرت إلى كل تلك الكؤوس المكدسة  و قالت
تقول أمى إن الربيع بعد أن يأخذ الرحيق من الفراشات، سوف يأتى و يدور بين الزهور ثم يلثم كل زهرة على تاجها، فترتجف الزهرة ارتجافا

عظيما، حتى إن الفرع التى تنموا عليه الزهرة سيئن من رجفتها تلك، ثم بعد تلك الرجفة، يأمر إحدى الفراشات بالجلوس على بتلة من بتلاتها

لتعتنى بها ، و تبدأ الزهرة فى الإشراق ، و فى النظر إلى السماء، كل هذا و الفراشة تعاونها على التفتح و تمنع عنها الصخب و الأذى، تقول

أمى و تظل الزهرات تتفتح الواحدة تلو الأخرى و تظل الفراشات تأخذ ببتلاتها أخذا رقيقا ، حتى يتم التفتح الكلى و ينتشر عبيق الزهور فى كل

أرجاء الحديقة، و عندها فقط يبتسم الربيع ابتسامة كبيرة و يرحل مطمئنا إلى حدائق أخرى، تقول أمى ان هناك حدائقا أخرى غير حديقتنا

ينتظرن الربيع، و أنه لزاما علينا ألا نثقل الربيع بأمانينا الكثيرة، آه يا ربيع، متى ستأتى، هلا أتيت سريعا

جزعت النرجس وقالت
يرحل؟!! بتلك البساطة يرحل ؟!! كيف يرحل سريعا هكذا ؟ كيف يتركنا و يمضى بتلك السهولة ألا يعلم أننا نحبه أكثر من أى مخلوق آخر؟؟

وصمتت قليلا
فقالت الزنبقة
نعم، يرحل بعد أن يكمل مهمته هنا. لأن لابد له من أن يقوم بمهمته تلك فى أماكن أخرى. مالك يا نرجس، لماذا أنتى حزينة؟ ألا تعلمين أننا

ولدنا لنعطى أشجارا جديدة، نحن حياة تلك الحديقة، و أمل البراعم القادمة، نحن شجيرات المستقبل، و أمل الغد

ابتسمت النرجس
و ماذا عن الربيع عندما يمضى، كيف ستواجهين الشتاء وحيدة، يقولون إن الشتاء بارد و قارص، يقولون إن الكثير من أخواتنا يموت فى

الشتاء و تتجمد أوصاله و بتلاته و يصبح دون جدوى، جثة هامدة يقتات عليها دود القز، و تتطأها أقدام المخلوقات آكلة العشب”

أرتعدت الزنبقة و قالت
اصمتى أرجوكى، لا داعى أن تخيفينى، إنك لا تفتأين كل ليلة بأن تذكرينى بالشتاء، و قسوة الشتاء ، ووحدة الشتاء، أيها الربيع، متى تأتى

لتنقذنى من تلك الزهرة الكئيبة، أرجوك أيها الربيع امنحنى القوة لأصير شجيرة أثبت فى وجه الرياح و الشتاء البارد، أواه يا  ربيع، لم تأخذ كل

ذلك الوقت لتأتى؟ مالذى يعيقك؟ ترى لو كان لى قدمين كنت أطلقتهما نحوك بكل ما فيهما من قوة.، كنت ارتميت فى أحضانك حتى أذوب فيك،

كنت أصغيت إلى ألحانك حتى أصبح كلمة من كلمات أغانيك، أيها الربيع البعيد ، كم من حديقة أشرقت بوجودك؟ و كم من زهرة ابتسمت

لبزوغك؟ أيها الربيع الندى أقبل، و ارشف من رحيقى ما شئت، فما صنعته إلا لأجلك و ما أرتضيته إلا لك.”

و فى نهاية القصة
لا أجد لها مدلولا معينا أو سياقا واحدا
انه الإنتظار فقط
لازالت الحديقة تنتظر الربيع
لازالت الزنبقة تصنع الرحيق
و لازالت الأزهار تثرثر سوية و تتسائل
متى سيأتى؟

2 Responses to “حكاية من حديقة”

  1. Rema says:

    Begad begad gameila gedan gedan mo2sera gedan ya ahemd 😀 mesh 3arfa al2y kelma awsefha beiha 🙂 well done 🙂 i love it so much

  2. admin says:

    ana mabsoot ennaha 3agabetek 🙂

Leave a Reply

You must be logged in to post a comment.